خدمات تلفن همراه

قرآن تبيان- جزء 29 - حزب 57 - سوره ملک - صفحه 562


شروع جزء 29و حزب 57


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ الْمُلْکُ وَهُوَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ
1 - ( تبارك ) تعالي وتعاظم عن صفات المخلوقين ( الذي بيده الملك ) علي كل موجود ( وهو علي كل ) مالم يوجد مما يدخل تحت القدرة ( قدير ) وذكر اليد مجاز عن الإحاطة بالملك والاستيلاء عليه . والحياة : ما يصح بوجوده الإحساس . وقيل : ما يوجب كون الشي ء حيا ، وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر . والموت عدم ذلك فيه ، ومعني خلق الموت والحياة : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه .
الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِیزُ الْغَفُورُ
2 - والمعني : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون ( ليبلوكم ) وسمي علم الواقع منهم باختيارهم " بلوي " وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر . ونحوه قوله تعالي ( ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم ) . فإن قلت : من أين تعلق قوله ( أيكم أحسن عملا ) بفعل البلوي ؟ قلت : من حيث أنه تضمن معني العلم . فكأنه قيل ليعلكم أيكم أحسن عملا ، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملا أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه ، كما تقول : علمته هو أحسن عملا. فإن قلت : أتسمي هذا تعليقا ؟ قلت : لا ، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسد المفعولين جميعا ، كقولك : علمت أيها عمرو ، وعلمت أزيد منطلق . ألا تري أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به ، ولو كان تعليقا لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق . وعلمت زيدا منطلقا . ( أحسن عملا ) . قيل : أخلصه وأصوبه ، لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل ، وكذلك إذا كان صوابا غير خالص ، فالخالص : أن يكون لوجه الله تعالي ، والصواب : أن يكون علي السنة . وعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه تلاها ، فلما بلغ قوله ( أيكم أحسن عملا ) قال : " أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " يعني : أيكم أتم عقلا عن الله وفهما لأغراضه ، و المراد: أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها علي العمل وتستمكنون منه ، وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلي اختيار العمل الحسن علي القبيح ، لأن وراءه البعث والجزاء الذي لابد منه . وقدم الموت علي الحياة ، لأن أقوي الناس داعيا إلي العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلي الغرض المسوق له الَية أهم ( وهو العزيز ) الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ( الغفور ) لمن تاب من أهل الإساءة
الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِی خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ
3 - ( طباقا ) مطابقة بعضها فوق بعض ، من طابق النعل : إذا خصفها طبقا علي طبق ، وهذا وصف بالمصدر . أو علي ذات طباق ، أو علي : طوبقت طباقا ( من تفاوت ) وقرئ : من تفوت . ومعني البناءين واحد ، كقولهم : تظاهروا من نسائهم . وتظهروا . وتعاهدته وتعهدته ، أي : من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض ، إنما هي مستوية مستقيمة . وحقيقة التفاوت : عدم التناسب ، كأن بعض الشي ء يفوت بعضا ولا يلائمه . ومنه قولهم : خلق متفاوت . وفي نقيضه : متناصف . فإن قلت : كيف موقع هذه الجملة مما قبلها ؟ قلت : هي صفة مشايعة لقوله ( طباقا ) وأصلها : ما تري فيهن من تفاوت ، فوضع مكان الضمير قوله ( خلق الرحمن ) تعظيما لخلقهن ، وتنبيها علي سبب سلامتهن من التفاوت : وهو أنه خلق الرحمن ، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب ، والخطاب في ما تري للرسول أو لكل مخاطب . وقوله تعالي ( فارجع البصر ) متعلق به علي معني التسبيب ، أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهن ، ثم قال ( فارجع البصر ) حتي يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ، ولا تبقي معك شبهة فيه ( هل تري من فطور ) من صدوع وشقوق : جمع فطر وهو الشق . يقال : فطره فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير ، كما يقال : شق وبزل . ومعناه : شق اللحم فطلع .
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ کَرَّتَیْنِ یَنقَلِبْ إِلَیْکَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِیرٌ
4 - وأمره بتكرير البصر فيهن متصفحا ومتتبعا يلتمس عيبا وخللا ( ينقلب إليك ) أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب ، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور ، أي : بالبعد عن إصابة الملتمس ، كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة . وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد . فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين ؟ قلت : معني التثنية التكرير بكثرة ، كقولك : لبيك وسعديك ، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض ، وقولهم في المثل : دهدرين سعد القين من ذلك . أي : باطلا بعد باطل . فإن قلت : فما معني ثم ارجع ؟ قلت : أمره برجع البصر ، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولي وبالنظرة الحمقاء ، وأن يتوقف بعدها ويجم بصره ، ثم يعاود ويعاود ، إلي أن يحسر بصره من طول المعاودة ، فإنه لا يعثر علي شي ء من فطور .
وَلَقَدْ زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّیَاطِینِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِیرِ
5 - ( الدنيا ) القربي ، لأنها أقرب السموات إلي الناس ، ومعناها : السماء الدنيا منكم . والمصابيح السرج ، سميت بها الكواكب ، والناس يزينون مساجدهم ودورهم بأثقاب المصابيح ، فقيل : ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها ( بمصابيح ) أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة ، وضممنا إلي ذلك منافع أخر: أنا ( جعلناها رجوما ل ) أعدائكم : ل ( لشياطين ) الذين يخرجونكم من النور إلي الظلمات وتهتدون بها في ظلمات البر والبحر . قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدي بها . فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به وعن محمد بن كعب : في السماء والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يبتغون الكهانة ويتخذون النجوم علة . والرجوم : جمع رجم : وهو مصدر سمي به ما يرجم به . ومعني كونها مراجم للشياطين : أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منهم منفصلة من نار الكواكب ، لا أنهم يرجمون بالكواكب أنفسها ، لأنها قارة في الفلك علي حالها . وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار ، والنار ثابتة كاملة لا تنقص . وقيل : من الشياطين المرجومة من يقتله الشهاب . ومنهم من يخبله . وقيل : معناه وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم النجامون ( وأعتدنا لهم عذاب السعير ) في الَخرة بعد عذاب الإحراق بالشهب في الدنيا .
وَلِلَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ
6 - ( وللذين كفروا بربهم ) أي : ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم ( عذاب جهنم ) ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك . وفرئ عذاب جهنم بالنصب عطفا علي عذاب السعير
إِذَا أُلْقُوا فِیهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِیقًا وَهِیَ تَفُورُ
7 - ( إذا ألقوا فيها ) أي طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ، ويرمي به . ومثله قوله تعالي ( حصب جهنم ) . ( سمعوا لها شهيقا ) إما لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها . أو من أنفسهم ، كقوله ( لهم فيها زفير وشهيق ) وإما للنار تشبيها لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق ( وهي تفور ) تغلي بهم غليان المرجل بما فيه . وجعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ، ويقولون :
تَکَادُ تَمَیَّزُ مِنَ الْغَیْظِ کُلَّمَا أُلْقِیَ فِیهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ یَأْتِکُمْ نَذِیرٌ
8 - فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا ، وغضب فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء : إذا وصفوه بالإفراط فيه . ويجوز أن يراد : غيظ الزبانية ( ألم يأتكم نذير ) توبيخ يزدادون به عذابا إلي عذابهم وحسرة إلي حسرتهم . وخزنتها : مالك وأعوانه من الزبانية
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِیرٌ فَکَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَیْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِی ضَلَالٍ کَبِیرٍ
9 - ( قالوا بلي ) اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة ، و إنما أتوا من قبل أنفسهم ، واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد علي ضده . فإن قلت : ( إن أنتم إلا في ضلال كبير ) من المخاطبون به ؟ قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين ، علي أن النذير بمعني الإنذار . والمعني : ألم يأتكم أهل نذير . أو وصف منذروهم لغلوهم في الإنذار ، كأنهم ليسوا إلا إنذارا ، وكذلك ( قد جاءنا نذير ) ونظيره قوله تعالي ( إنا رسول رب العالمين ) أي حاملا رسالته . ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار علي إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا . أو أرادوا بالضلال : الهلاك . أو سموا عقاب الضلال باسمه . أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة ، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله
وَقَالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا کُنَّا فِی أَصْحَابِ السَّعِیرِ
10 - ( لو كنا نسمع ) الإنذار سماع طالبين للحق . أو نعقله عقل متأملين . وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل ، لأن مدار التكليف علي أدلة السمع والعقل . ومن بدع التفاسير : أن المراد لو كنا علي مذهب أصحاب الحديث أو علي مذهب أصحاب الرأي ، كأن هذه الَية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين ، وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل الله وعيدهم ، وكأن من كان من هؤلاء فهو من من الناجين لا محالة ، وعدة المبشرين من الصحابة : عشرة ، لم يضم إليهم حادي عشر ، وكأن من يجوز علي الصراط أكثرهم لم يسمعوا باسم هذين الفريقين
فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِیرِ
11 - ( بذنبهم ) بكفرهم في تكذيبهم الرسل ( فسحقا ) قرئ بالتخفيف والتثقيل ، أي : فبعدا لهم ، اعترفوا أو جحدوا ، فإن ذلك لا ينفعهم .
إِنَّ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَیْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ کَبِیرٌ
12 - ( بذنبهم ) بكفرهم في تكذيبهم الرسل ( فسحقا ) قرئ بالتخفيف والتثقيل ، أي : فبعدا لهم ، اعترفوا أو جحدوا ، فإن ذلك لا ينفعهم .

صفحه : 562
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 562
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 


1 - ( تبارك ) تعالي وتعاظم عن صفات المخلوقين ( الذي بيده الملك ) علي كل موجود ( وهو علي كل ) مالم يوجد مما يدخل تحت القدرة ( قدير ) وذكر اليد مجاز عن الإحاطة بالملك والاستيلاء عليه . والحياة : ما يصح بوجوده الإحساس . وقيل : ما يوجب كون الشي ء حيا ، وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر . والموت عدم ذلك فيه ، ومعني خلق الموت والحياة : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه .

2 - والمعني : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون ( ليبلوكم ) وسمي علم الواقع منهم باختيارهم " بلوي " وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر . ونحوه قوله تعالي ( ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم ) . فإن قلت : من أين تعلق قوله ( أيكم أحسن عملا ) بفعل البلوي ؟ قلت : من حيث أنه تضمن معني العلم . فكأنه قيل ليعلكم أيكم أحسن عملا ، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملا أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه ، كما تقول : علمته هو أحسن عملا. فإن قلت : أتسمي هذا تعليقا ؟ قلت : لا ، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسد المفعولين جميعا ، كقولك : علمت أيها عمرو ، وعلمت أزيد منطلق . ألا تري أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدرا بحرف الاستفهام وغير مصدر به ، ولو كان تعليقا لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق . وعلمت زيدا منطلقا . ( أحسن عملا ) . قيل : أخلصه وأصوبه ، لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل ، وكذلك إذا كان صوابا غير خالص ، فالخالص : أن يكون لوجه الله تعالي ، والصواب : أن يكون علي السنة . وعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه تلاها ، فلما بلغ قوله ( أيكم أحسن عملا ) قال : " أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " يعني : أيكم أتم عقلا عن الله وفهما لأغراضه ، و المراد: أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها علي العمل وتستمكنون منه ، وسلط عليكم الموت الذي هو داعيكم إلي اختيار العمل الحسن علي القبيح ، لأن وراءه البعث والجزاء الذي لابد منه . وقدم الموت علي الحياة ، لأن أقوي الناس داعيا إلي العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلي الغرض المسوق له الَية أهم ( وهو العزيز ) الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ( الغفور ) لمن تاب من أهل الإساءة

3 - ( طباقا ) مطابقة بعضها فوق بعض ، من طابق النعل : إذا خصفها طبقا علي طبق ، وهذا وصف بالمصدر . أو علي ذات طباق ، أو علي : طوبقت طباقا ( من تفاوت ) وقرئ : من تفوت . ومعني البناءين واحد ، كقولهم : تظاهروا من نسائهم . وتظهروا . وتعاهدته وتعهدته ، أي : من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض ، إنما هي مستوية مستقيمة . وحقيقة التفاوت : عدم التناسب ، كأن بعض الشي ء يفوت بعضا ولا يلائمه . ومنه قولهم : خلق متفاوت . وفي نقيضه : متناصف . فإن قلت : كيف موقع هذه الجملة مما قبلها ؟ قلت : هي صفة مشايعة لقوله ( طباقا ) وأصلها : ما تري فيهن من تفاوت ، فوضع مكان الضمير قوله ( خلق الرحمن ) تعظيما لخلقهن ، وتنبيها علي سبب سلامتهن من التفاوت : وهو أنه خلق الرحمن ، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب ، والخطاب في ما تري للرسول أو لكل مخاطب . وقوله تعالي ( فارجع البصر ) متعلق به علي معني التسبيب ، أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهن ، ثم قال ( فارجع البصر ) حتي يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ، ولا تبقي معك شبهة فيه ( هل تري من فطور ) من صدوع وشقوق : جمع فطر وهو الشق . يقال : فطره فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير ، كما يقال : شق وبزل . ومعناه : شق اللحم فطلع .

4 - وأمره بتكرير البصر فيهن متصفحا ومتتبعا يلتمس عيبا وخللا ( ينقلب إليك ) أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب ، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور ، أي : بالبعد عن إصابة الملتمس ، كأنه يطرد عن ذلك طردا بالصغار والقماءة . وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد . فإن قلت : كيف ينقلب البصر خاسئا حسيرا برجعه كرتين اثنتين ؟ قلت : معني التثنية التكرير بكثرة ، كقولك : لبيك وسعديك ، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض ، وقولهم في المثل : دهدرين سعد القين من ذلك . أي : باطلا بعد باطل . فإن قلت : فما معني ثم ارجع ؟ قلت : أمره برجع البصر ، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولي وبالنظرة الحمقاء ، وأن يتوقف بعدها ويجم بصره ، ثم يعاود ويعاود ، إلي أن يحسر بصره من طول المعاودة ، فإنه لا يعثر علي شي ء من فطور .

5 - ( الدنيا ) القربي ، لأنها أقرب السموات إلي الناس ، ومعناها : السماء الدنيا منكم . والمصابيح السرج ، سميت بها الكواكب ، والناس يزينون مساجدهم ودورهم بأثقاب المصابيح ، فقيل : ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها ( بمصابيح ) أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة ، وضممنا إلي ذلك منافع أخر: أنا ( جعلناها رجوما ل ) أعدائكم : ل ( لشياطين ) الذين يخرجونكم من النور إلي الظلمات وتهتدون بها في ظلمات البر والبحر . قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدي بها . فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به وعن محمد بن كعب : في السماء والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يبتغون الكهانة ويتخذون النجوم علة . والرجوم : جمع رجم : وهو مصدر سمي به ما يرجم به . ومعني كونها مراجم للشياطين : أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منهم منفصلة من نار الكواكب ، لا أنهم يرجمون بالكواكب أنفسها ، لأنها قارة في الفلك علي حالها . وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار ، والنار ثابتة كاملة لا تنقص . وقيل : من الشياطين المرجومة من يقتله الشهاب . ومنهم من يخبله . وقيل : معناه وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم النجامون ( وأعتدنا لهم عذاب السعير ) في الَخرة بعد عذاب الإحراق بالشهب في الدنيا .

6 - ( وللذين كفروا بربهم ) أي : ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم ( عذاب جهنم ) ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك . وفرئ عذاب جهنم بالنصب عطفا علي عذاب السعير

7 - ( إذا ألقوا فيها ) أي طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ، ويرمي به . ومثله قوله تعالي ( حصب جهنم ) . ( سمعوا لها شهيقا ) إما لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها . أو من أنفسهم ، كقوله ( لهم فيها زفير وشهيق ) وإما للنار تشبيها لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق ( وهي تفور ) تغلي بهم غليان المرجل بما فيه . وجعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ، ويقولون :

8 - فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا ، وغضب فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء : إذا وصفوه بالإفراط فيه . ويجوز أن يراد : غيظ الزبانية ( ألم يأتكم نذير ) توبيخ يزدادون به عذابا إلي عذابهم وحسرة إلي حسرتهم . وخزنتها : مالك وأعوانه من الزبانية

9 - ( قالوا بلي ) اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة ، و إنما أتوا من قبل أنفسهم ، واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد علي ضده . فإن قلت : ( إن أنتم إلا في ضلال كبير ) من المخاطبون به ؟ قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين ، علي أن النذير بمعني الإنذار . والمعني : ألم يأتكم أهل نذير . أو وصف منذروهم لغلوهم في الإنذار ، كأنهم ليسوا إلا إنذارا ، وكذلك ( قد جاءنا نذير ) ونظيره قوله تعالي ( إنا رسول رب العالمين ) أي حاملا رسالته . ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار علي إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا . أو أرادوا بالضلال : الهلاك . أو سموا عقاب الضلال باسمه . أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة ، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله

10 - ( لو كنا نسمع ) الإنذار سماع طالبين للحق . أو نعقله عقل متأملين . وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل ، لأن مدار التكليف علي أدلة السمع والعقل . ومن بدع التفاسير : أن المراد لو كنا علي مذهب أصحاب الحديث أو علي مذهب أصحاب الرأي ، كأن هذه الَية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين ، وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل الله وعيدهم ، وكأن من كان من هؤلاء فهو من من الناجين لا محالة ، وعدة المبشرين من الصحابة : عشرة ، لم يضم إليهم حادي عشر ، وكأن من يجوز علي الصراط أكثرهم لم يسمعوا باسم هذين الفريقين

11 - ( بذنبهم ) بكفرهم في تكذيبهم الرسل ( فسحقا ) قرئ بالتخفيف والتثقيل ، أي : فبعدا لهم ، اعترفوا أو جحدوا ، فإن ذلك لا ينفعهم .

12 - ( بذنبهم ) بكفرهم في تكذيبهم الرسل ( فسحقا ) قرئ بالتخفيف والتثقيل ، أي : فبعدا لهم ، اعترفوا أو جحدوا ، فإن ذلك لا ينفعهم .

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 29 - حزب 57 - سوره ملک - صفحه 562
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 90,088,157